تأخير رواتب الموظفين في كل شهر.. هل يعاني العراق أزمة سيولة فعلاً؟

تأخير رواتب الموظفين في كل شهر.. هل يعاني العراق أزمة سيولة فعلاً؟

أقرت الحكومة ميزانيتها للعام 2023-2024 بواقع (200) تريليون دينار وبعجز يصل إلى (64) تريليون دينار

اعتاد "أحمد" الموظف على ملاك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تأخر راتبه الشهري خلال العامين الأخيرين، ورتب حاله وحال أسرته وفق هذا التأخير غير المبرر من وجهة نظره. لكن ومنذ تسلم حكومة السوداني مهامها في العام الماضي باتت أيام التأخير تزداد وتختلف من شهر لآخر يقابلها عدم استقرار في أسعار صرف الدولار وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والبضائع.

 

 

وبينما يخطط "أحمد" لكيفية مواجهة هذا التحدي بدأت تتسرّب لوسائل الإعلام أنباء عن عجز الحكومة عن توفير السيولة اللازمة لتسديد دفعات الرواتب التي بذمتها، هنا لم يعد الأمر بالنسبة لصاحبنا خوفاً فقط، بل إنه بات أمراً مرعباً. إذ كيف سيحافظ على ديمومة حياته في ظل غياب مصدر دخله الوحيد؟ ولم تفلح الوعود الحكومية من قدرتها على تأمين رواتب الموظفين الشهرية في إيقاف شعوره بالخوف والذي بات ملازماً له مع نهاية كل شهر، حتى أنه بدأ يفكر ويبحث في آليات تعينه على ضمان ادخار جزء من راتبه الشهري تحسباً لأي طارئ.

 

 

زيادة في النفقات

 

ظهر وبشكل واضح أن الحكومة العراقية الحالية اتجهت ومع استلامها مهامها نحو زيادة الإنفاق الحكومية لإتمام المشاريع المتلكئة وتوسعة دائرة التعيين على مستوى القطاع العام مستغلةً الوفرة المالية المتحققة من عمليات بيع النفط. لذا أقرت الحكومة ميزانيتها للعام 2023-2024 بواقع (200) تريليون دينار وبعجز يصل إلى (64) تريليون دينار مخطط ويتم تغطيته من خلال أبواب عدة منها المبالغ المدورة في خزينة الدولة وسندات البنك المركزي العراقي والاستدانة من المصارف الحكومية.

 

 

هذا الارتفاع بالإنفاق الحكومي سيوجد فجوة بين احتياجها وإنفاقها من الدينار العراقي، لاسيما وأن الدولة تمتلك (84) تريليون دينار فقط منها (20%) تعود للحكومة. ولتعويض هذا الطلب تتجه الحكومة لأحد المصادر الأربعة لتوفير احتياجها من العملة المحلية، والتي بحددها الخبير بالشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش بالآتي:

 

1. مردود مبيعات البنك المركزي من الدولار الأمريكي، والتي توفر مبلغ قد يصل لـ(7) تريليونات دينار للحكومة لسداد نفقاتها.

 

2. الجبايات الحكومية من ضرائب وجباية الكهرباء والماء والكمارك وغيرها، وهذه تعاني من خلل وعدم وضوح في حجمها وإلى الآن لم يتم تنظيمها بشكل صحيح.

 

3. تفعيل سوق النقد من أسهم وسندات وهذا المصدر أيضاً لم يتفعيله بالشكل الصحيح في العراق، بالتالي فالحكومة غير قادرة على استحصال مبالغ منه.

 

4. التداول والتعامل الإلكتروني في الأسواق المحلية، وهذا قد يوفر للدولة مبالغ مهمة وقادرة على سد جزء من نفقاتها، لكنه كمصدر للعملة المحلية لم يصل بعد إلى النقطة التي تجعل الحكومة تعتمد عليه.

 

 

الآن الحكومة تعمل باتجاه تفعيل الجبايات الحكومية والتداول الإلكتروني لضمان مصدر إضافي للسيولة لكنها وكما يبدو لازالت تعاني وبحاجة لوقت لاستثمار هذين المصدرين. أمام هذا الواقع ستكون الحكومة في حالة عجز عن توفير السيولة لضمان نفقاتها العامة، بالتالي ستتجه نحو طباعة العملة المحلية، وقد يكون هذا الأمر سبباً في التضخم.

 

 

وبطبيعة الحال فإن الحكومة قادرة على طباعة مزيد من العملة -تطبع الحكومة ما بين (1/4-2 تريليون دينار)- كونها تمتلك غطاء من الدولار يحفظ للدينار العراقي قيمته وبموافقة الفيدرالي والمنظمات المالية الدولية. لكن هذا الأمر قد يخلق وفرة مالية ستنعكس سلباً على الاقتصاد المحلي بزيادة أسعار السلع والبضائع المعروضة في السوق المحلية.

 

 

أبواب الإنفاق

 

الحكومة بحاجة لتوفير السيولة المالية لسداد نفقاتها الجارية والاستثمارية؛ وإذا كانت مهتمة والمواطن مهتم كذلك بالنفقات الجارية بشكل كبير كونها مرتبطة براتبه الشهري لذا فإن توجه الجزء الأكبر من السيولة المتوافرة لديها باتجاه سداد هذا الباب.

 

 

لكنها بالمقابل ستجد تحد كبير في سداد نفقاتها الاستثمارية لاسيما وأنها تتبنّى خططا تنموية وبمبالغ كبيرة، بالتالي ستتجه نحو خطط بديلة لسداد هذه النفقات، كالدفع بالآجل وغيرها.

 

 

هذا التحدي المالي يكاد يجمع المراقبون أنه لا يشكل تحدياً كبيراً يصعب على الحكومة تجاوزه، إذ تشير البيانات الخاصة بوزارة المالية من حيث رصيدها المالي من الدولار إلى قدرتها على إدارة ملف النفقات الحكومية وتوفير السيولة المطلوبة للإنفاق الحكومي.

 

 

ويؤكد الخبير الاقتصادي محمود داغر أن وزارة المالية تمتلك ما يقارب الـ(9-10 مليارات دولار) في رصيدها لدى البنك الفيدرالي الأمريكي، لكن مشكلتها إدارية بحتة كون العملية مرتبطة بأكثر من (9) ملايين مواطن منهم الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية.

 

 

وعليه فإنه وإن كانت هناك صعوبة في توفير السيولة بالنسبة للحكومة إلاّ أنها لا تشكل عقبة يصعب تجاوزها وهي ليست السبب الحقيقي في تأخير صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين أو المستفيدين من شبكة الرعاية الاجتماعية بل إن الأمر لا يعدو مشكلة إدارية صرفة بسبب حجم الشريحة التي تتعامل معها الحكومة.

 

 

لكن ومع ذلك فإن هذه الأزمة في السيولة وإن كانت الحكومة قادرة على التعامل معها ضمن ملف الرواتب إلاّ أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى إنعكاسها على قطاعات اقتصادية أخرى، فتصاعد حجم الأنفاق الحكومي سيترتب عليه رفع معدل طباعتها من العملة المحلية وهذا ما سينعكس على انخفاض قيمتها كما ذكرنا آنفاً، بالتالي سيتجه المواطن إلى تحويل الأموال الفائضة لديه لاستثمارات موثوقة بدلاً من المحافظة على ما لديه من نقد يفقد قيمته بالتقادم.

 

 

وهنا سيتجه المواطن نحو الاستثمار في سوق العقار أو الذهب ما سيسبّب رفع أسعارها بمعدلات قد تتضاعف عن قيمتها الحقيقية كما حصل عام 2020 عندما ارتفع سوق العقار بنسبة (150%). لترتفع معها بقية السلع تباعاً وهنا سندخل في أزمة أخرى تتطلب من الحكومة توفير المعالجات لها.