عالم مظلم.. ابتزاز وغسيل أموال تحت غطاء “الشهرة”

عالم مظلم.. ابتزاز وغسيل أموال تحت غطاء “الشهرة”

باتت هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا على الفضاءين السياسي والأمني، خاصة بعد تصاعد ”التصفيات الجسدية” التي ترتبط عادة بـ”انتهاء الأدوار” أو ربما الخشية من كشف أسرار تطيح بمتنفذين أو حتى مؤسسات بأكملها.

من السكن بالإيجار إلى امتلاك أفخم المنازل، ومن البحث الشاق عن فرصة عمل إلى افتتاح براندات خاصة بهن، ومن استخدام عربات النقل الجماعي المهترئ إلى صعود السيارات الفارهة، حتى أصبحت مرسيدس G Class وتاهو وكاديلاك، علامتهنّ المميزة، وكل ذلك يحصل بين ليلة وضحاها.. فما قصة بعض “مشهورات” التواصل الاجتماعي؟

“فاشينيستا كلمة إنجليزية تُطلق على الشخص المتيّم بالموضة، وظهرت حديثا في نهاية التسعينات”. و”البلوغر” هو من يمارس فن الكتابة والتعبير على الإنترنت.

 

لكن في العراق والعالم العربي، ارتبطت هذه المفردات بالعالم المُظلم، الذي كلما تعمّقت فيه، اكتشفت مزيدًا من التعقيدات والخفايا التي تُظهر جوانب غير مشروعة ومشبوهة، مثل تورط بعضهن في عمليات غسيل الأموال والابتزاز وتجارة المخدرات وشبكات الدعارة وغيرها من الأنشطة غير القانونية، ويتجلّى هذا العالم على نحو مغاير تماماً للصورة اللامعة والبرّاقة التي تظهر على منصات التواصل الاجتماعي.

 

في مجتمعاتنا العربية، غالبًا، لا علاقة لمن يُطلقنَ على أنفسهن “فاشينستات” أو “بلوغرات” بعالم الموضة والأزياء من قريب أو بعيد. بدلاً من ذلك، يعتمدن بشكل كبير على جمالهن الطبيعي أو المعزز بعمليات التجميل إلى جانب استخدام الإغراء وإبراز مفاتن الجسد والتعري، لجذب الانتباه وزيادة عدد متابعي حساباتهن.

 

وبينما يجلب هذا الأسلوب شهرة سريعة لهن، فإنه يشوه مفهوم “الفاشينيستا” الحقيقي، الذي يجب أن يقوم على الإبداع، والابتكار، والمعرفة الحقيقية في عالم الموضة والأزياء.

بات الدخول في عالم “الفاشينيستات والبلوغرات” أشبه ببوابة كبيرة تنقل مَن يلج فيها إلى الثراء الفاحش خلال سنوات قصيرة إن لم نقل عدة أشهر لا أكثر. فكثير منهن أُتخمت حساباتهن المصرفية بالملايين بين ليلة وضحاها، وأصبحن يعشنَ برفاهية، ويملكنَ الفلل الراقية والعقارات التجارية، والسيارات الفارهة، ويتنقّلن بين دول العالم للسياحة، بعد أن كنُّ في وقت قريب جدًا يعشنَ حياة البؤس والفقر.. فمن أين جئنَ بكل هذا؟

 

شبكات دعارة وابتزاز:


ارتباط الكثير من “مشهورات” التواصل الاجتماعي بسياسيين ومسؤولين وقادة أمنيين، لطالما سبب حرجًا كبيرًا للحكومات ولمؤسساتهم، خاصة وأن مثل هذه العلاقات غالبًا ما تتسرب تفاصيلها للإعلام، لنكتشف لاحقًا أن الطرفين متورطان بقيادة شبكات “ابتزاز”.

 

ففي 23 آذار 2024، وجّه رئيس الوزراء العراقي، القيادات الأمنية بالابتعاد عن الظهور الإعلامي ومواقع التواصل. وفي نفس اليوم، وجّهت وزارة الدفاع بحذف الصفحات والمواقع الممولة التي يستخدمها القادة والضباط على السوشيال ميديا.

وجاءت هذه التوجيهات، عقب حالة من الجدل أثارها خلاف بين امرأتين تُعرّفان نفسيهما بأنهما "فاشنيستات"، كانت إحداهما هددت الأخرى بضابط رفيع المستوى. لترد التي تعرضت للتهديد، بأنها ستقوم بنشر مقطع فيديو للتي هددتها مع ضابط برتبة كبيرة.

ووسط هذا المشهد الذي تسبب بغضب شعبي، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، عن اكتشاف شبكة داخل المؤسسة الأمنية تبتز الضباط وتساومهم.

 

https://x.com/IraqiSpoxMOD/status/1770486798080184325

 

وذكرت مصادر أن ضابطًا كبيرًا ضمن الشبكة، كان يُشرف على إدارة صفحات على مواقع التواصل تعمل على ابتزاز الضباط، وتضم “بلوغرات” ضمن فريق الإدارة.

وبين فترة وأخرى، تُنشر مقاطع وتسجيلات مخلة لسياسيين وفنانين وغيرهم، تم الإيقاع بهم عن طريق شبكات ابتزاز تستغل “بلوغرات” لاصطياد ضحاياها.

 

وباتت هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا على الفضاءين السياسي والأمني، خاصة بعد تصاعد ”التصفيات الجسدية” التي ترتبط عادة بـ”انتهاء الأدوار” أو ربما الخشية من كشف أسرار تطيح بمتنفذين أو حتى مؤسسات بأكملها.

 

آخر عمليات التصفية كانت ضحيتها “بلوغر” تُدعى “أم فهد”  قُتلت في 24 أبريل الماضي بينما كانت داخل سيارتها أمام منزلها في بغداد. واللافت أن القاتل حرص على الاستحواذ على هاتف “أم فهد”، ولعل ذلك كان الهدف الأساسي من قتلها، فربما كان يحمل أسرارًا ثمة مَن لا يريد أن تُكشف أو تُنشر.

 

وفي 12 مايو الجاري، أعلنت السلطات العراقية أن الشاب المتحول جنسيًا إلى أنثى وشهرته "جوجو دعارة”، توفي داخل السجن. وجرى اعتقاله في 2022 وحُكم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة الابتزاز.

وبحسب لائحة الاتهامات، يدير “جوجو” شبكة ابتزاز ودعارة، وابتز سياسيين وإعلاميين ومشاهير وتقاضى منهم أموالاً طائلة على مدار سنوات.

 

وفي لبنان، أُعلن مؤخرًا عن ضبط شبكة تستدرج الأطفال وتعتدي عليهم جنسيًا وتبتزهم. وكشفت التحقيقات أن “بلوغر” شهيرة  تُدعى “ج غ”، كانت من بين أفراد العصابة.

 

غسيل الأموال وتهريبها:


خطر هذه الشبكات المشبوهة، لا يقتصر على الجانبين الأمني والاجتماعي. ففي العراق مثلاً كانت لها تأثيرًا سلبيًا على اقتصاد البلاد الذي يعاني أساسًا من مشاكل جمّة.

إذ كشف النائب في البرلمان العراقي هادي السلامي، أنه “في عام 2020 فقط باع البنك المركزي 40 مليار دولار في مزاد بيع العملة، والتي يفترض أن تقابلها القيمة ذاتها من الاستيرادات بـ40 مليار دولار، لكن قيمتها بلغت 14 مليار دولار فقط، وهذا يعني أن قيمة الأموال المهربة نحو 23 مليار دولار”.

لكن بعد تشديد الرقابة على تحويل الأموال إلى خارج البلاد، احتبست الأموال المشبوهة في الداخل، ولم تعد عمليات بناء الفنادق وإنشاء الجامعات الأهلية وشراء الشقق والعقارات، كافية لطمس معالم تلك الأموال وصرف الانتباه عن مصدرها، فكان لا بد من طرق أخرى لغسلها.

 

ولأنَّ الكثير من “مشهورات” التواصل الاجتماعي يرتبطنَ بسياسيين ومتنفذين، فقد تحوّلنَ إلى أرض خصبة لغسل “المال القذر”، إذ بشكل مستمر، تُعلن هذه “المشهورة” عن إنشاء “براند” خاص بها للملابس، وتلك تنشئ ماركَتها للعطور، وأخرى لمواد التجميل، فضلاً عن الصالونات والمطاعم والكافيهات وغيرها. وتكلفة مثل هذه المشاريع الكبيرة لا يمكن جمعها خلال فترة قصيرة جدًا، من إعلانات بمقابل مادي بسيط.

 

وفي الكويت، لم ينقطع الجدل حول الفاشنيستات والمشاهير منذ سنوات عدة، حيث تم التحقيق مع العشرات منهم، وجرى التحفظ على أموال كثير منهم، لتورطهم في عمليات غسيل الأموال وتهريبها.

ومؤخرا، برز حديث عن استغلال تطبيق “تيك توك” كنافذة لتهريب الأموال، حيث ينفق أشخاص مجهولو الهوية مبالغ ضخمة لدعم بعض “التيك توكرز”، ويكون الدعم بإرسال ما يسمى بـ”الهدايا” خلال البث المباشر، وهي هدايا بقيمة مالية يدفعها الداعم، ثم يتقاسم الطرفان تلك الأموال التي تتسرب إلى الخارج.

 

في الجزائر مثلاً، كشفت تقارير عن إنفاق شخص مجهول يُدعى "أبو آدم” (مليون دولار) على عدد من مشاهير “التيك توك” في ظرف شهر واحد.


https://www.youtube.com/watch?v=OUd90hnnxp4


هذا العالم المظلم والمخيف، ليس ظاهرًا أمام ملايين المراهقين والشباب الذين ينظرون إلى مشاهير التواصل الاجتماعي كقدوات، الذين يبدون مرفهين وسعداء في الواقع يعيشون في عوالم داخلية ويتمنّون أن يعيشوا برفاهية شبيهة بهم. ولا يدري المتابِعين أن هؤلاء مظلمة ومعقدة، وتصرفات كثير منهم يعتريها التمثيل والخداع.

 

في النهاية، هذا العالم “الوردي ظاهرًا” و”المظلم باطنًا” يهدد المجتمع والدولة على حدٍ سواء، فمن جهة يؤثر سلبًا على سلوكيات أبنائنا وبناتنا، ومن جهة أخرى يُعتبر غطاء للعمليات القذرة والمشبوهة، وبالتالي لابد من تبديد ظلامه، بنشر الوعي بين الناس، والإجراءات الصارمة بحق المخالفين.