تجارة المخدرات في تصاعد.. العراق يتحوّل من دولة معبر إلى منتج ومستهلك

تجارة المخدرات في تصاعد.. العراق يتحوّل من دولة معبر إلى منتج ومستهلك

حجم تجارة المخدرات -وكما تؤشر لذلك الجهات الرسمية – في حالة من التصاعد المضطرد انتقل فيها العراق من المتاجرة فقط إلى الإنتاج والاستهلاك.

ظهرَ على شاشة التلفاز في إحدى البرامج التلفزيونية المسائية، وكان الظلام من حوله يُخفي ملامحه تماماً، مع تغيير في نبرة الصوت حتى لا تُعرف هوية المتحدث الذي كان شاباً لازال في مرحلة الدراسة الجامعية. وضعه المادي متوسط. لم يكن يعاني من أي مرض، وليست لديه أية مشكلة عائلية، لكنه فقط؛ تاجر مخدرات.


هذا الشاب حاله اليوم يشابه حال الآلاف من أقرانه في العراق الذين باتوا يمتهنون تجارة المخدرات لسبب أو لآخر بعد أن أصبح بعضهم فريسة سهلة لتجار المخدرات بسبب إغوائهم في تعاطي هذه المادة الخبيثة ومن ثم مساومتهم على الحصول عليها مقابل المشاركة في ترويجها.


حجم تجارة المخدرات  -وكما تؤشر لذلك الجهات الرسمية – في حالة من التصاعد المضطرد انتقل فيها العراق من المتاجرة فقط إلى الإنتاج والاستهلاك.
إذ تشير التقديرات إلى أن عام 2022 شهد ضبط (18) مليون حبة مخدرة فيما شهد 2023 ضبط (14) مليون حبة مخدرة، أما عدد المتهمين في المشاركة بهذه التجارة فقد تراوح ما بين (14-17) ألف متهم.


وبالنسبة المواد المخدرة، فقد تنوّعت بين الماريغوانا والكرستال والحشيشة وحبوب الكبتاغون، لكن المادة المخدرة الأكثر مبيعاً وانتشاراً في العراق اليوم هي مادة الكرستال.
خطوط التجارة المحظورة والتي تعد الأخطر في العراق اليوم تنتقل من إيران وسوريا ليستقر جزء منها في العراق في حين يُنقل الجزء الأكبر منها إلى دول الجوار لاسيما الخليج العربي.


أما المحافظات التي تنتشر فيها تجارة المخدرات فهي –بحسب تحقيق صحفي لجريدة المدى – البصرة وميسان والديوانية وكربلاء وبابل وبغداد والأنبار.
وفي العامين الأخيرين أشّر مراقبون ملاحظة مهمة متعلفة بأسعار بيع المواد المخدرة في العراق والتي شهدت انخفاضاً كبيراً الأمر الذي عدّه البعض محاولة لجعل العراق سوقاً لهذه البضاعة لا ممراً لها فحسب.


إذ كشف الصحفي العراقي الدكتور قصي شفيق أن سعر الغرام (الاوف وايت) من المواد المخدرة أصبح بـ(10) آلاف دينار  والعادي بـ(7) الآف دينار بعد أن كانت أسعار الغرام منها تصل في فترة من الفترات إلى (40”) ألف دينار. هذا الانخفاض بالأسعار يراه “شفيق” لترويج هذه التجارة بسرعة وبسهولة أكبر في العراق.
هذه الأرقام المخيفة جعلت مكافحة المخدرات من أولى أولويات الحكومة الحالية، وهو ما أسفر عن العديد من العمليات التي تستهدف ملاحقة المروجين لهذه البضاعة، حتى باتت نسبة المحكومين بجرائم المخدرات تصل إلى ثلث المدانين في سجون الحكومة العراقية.


أما على مستوى التنسيق السياسي فقد انضم العراق وعبر الهيأة الدولية لمراقبة المخدرات لتحالف يضم (8) دول بينها دول معبر وأخرى منتجة للمخدرات لمكافحة هذه التجارة وأسفر التعاون عن تنظيم فريق عمل يضم (164) موظفا يمثلون (70) حكومة للتنسيق في مواجهة هذا الخطر المشترك والتعرف على مصادر الصنع والتسويق والتوزيع ومحاولة تفكيكها.


إن الإشكالية الأكبر في هذه التجارة أنها مرتبطة بشكل أو بآخر بجرائم الفساد المالي والسياسي، إذ كشف تحقيق صحيفة “المدى” العراقية أن العديد من المنافذ الحدودية وطرق مرور هذه التجارة باتت اليوم خارج سيطرة الحكومة المركزية بل تخضع لقوى ومجاميع مسلحة متنفذة الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان إيقاف هذه التجارة أو تفكيك المجاميع القائمة عليها.


هذا الأمر هو في الحقيقة السبب الرئيس الذي يقف خلف انتعاش هذه التجارة، وهو العامل الذي أدى في النهاية لإرتفاع معدلات المواد المخدرة الداخلة إلى العراق والخارجة منه فضلاً عن ارتفاع معدل إنتاج المواد المخدرة في العراق.
إن تجارة المخدرات في حقيقتها مشكلة لا تتعلّق فقط بجانب إنساني صحي فحسب بل إن لها تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة لاسيما في ضعف القوى العاملة وتراجع معدلات الإنتاجية الخاصة بها.