مذيع بأجر وزير وقنوات بميزانية وزارات.. من أين تحصل الفضائيات العراقية على تمويلها؟!

مذيع بأجر وزير وقنوات بميزانية وزارات.. من أين تحصل الفضائيات العراقية على تمويلها؟!

الملف المالي المرتبط بالفضائيات العراقية لم يقف عند حدود أجور العاملين في تلك الفضائيات، بل إنه مرتبط بالدورات البرامجية لتلك القنوات لاسيما خلال المواسم كشهر رمضان المبارك.

بينما يجري أحد الإعلاميين المحليين حواراً على إحدى الفضائيات للحديث عن مسيرته.. تساءل مضيفه عن مشاريعه المستقبلية وفيما إذا كان يطمح لتبوّء منصب وزير ضمن أي تشكيلة حكومية قادمة في العراق.

ليتفاجأ المحاور والجمهور برد الإعلامي البارد على تساؤله بالقول؛ إن الوزير ليس بأفضل منه وإن ما يتقاضاه يوازي إن لم يكن يفق المبلغ الذي يحصل عليه الوزير كراتب شهري.

هذا الإعلامي هو واحد من عشرات الإعلاميين اليوم الذين تظهر حساباتهم الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي مستوى معيشي مرتفع جداً يعكس حجم ما يتقاضونه من أجور نظير عملهم بالفضائيات العراقية، ما أثار التساؤل عن ميزانيات تلك الفضائيات ومصدر أموالها؟

 

 

أجور مرتفعة

 

 

تثير قضية الأجور والرواتب التي يتلقاها مقدمي البرامج -لاسيما البرامج الحوارية والمسابقات- في الفضائيات العراقية أسئلة كبيرة عن طبيعة الوظيفة التي تؤديها تلك البرامج ومصادر تمويل تلك الفضائيات.

فبينما لايكاد يتجاوز راتب الوزير أو عضو مجلس النواب الـ(10) ملايين دينار عراقي، نتفاجأ بأن هناك اليوم على مستوى الإعلام العراقي مقدمي برامج تصل رواتبهم لضعف هذا المبلغ.

ولك أن تتخيّل أن إحدى الفضائيات التي انطلقت قبل أقل من عامين وهي تابعة لسياسي عراقي تعاقدت مع (7) أسماء مؤثرة في الإعلام العراقي لتقديم برامج عبر شاشاتها، أقلهم أجراً يحصل على 10 آلاف دولار.

قوائم أجور إعلاميي العراق والتي باتت تثير العديد من علامات الاستفهام ليست اللغز الوحيد ضمن هذا الملف، بل إن مستوى الترف والرفاهية التي يعيشها المنتمون لطبقة الإعلاميين هو الآخر أثار اللغط عن مصدر تلك الثروة لاسيما ونحن نتحدث عن مقدم برامج في فضائية غير مشاهدة إلاّ في العراق.

فكيف يمكن تفسير امتلاك مقدم برامج منزلاً تصل قيمته لـ(500) ألف دولار وسيارة تتجاوز قيمتها (250) ألف دولار، فيما لا تتجاوز مسيرته المهنية الـ10 سنوات!

 

 

دورات مليارية

 

 

الملف المالي المرتبط بالفضائيات العراقية لم يقف عند حدود أجور العاملين في تلك الفضائيات، بل إنه مرتبط بالدورات البرامجية لتلك القنوات لاسيما خلال المواسم كشهر رمضان المبارك.

فعلى سبيل الذكر شكلت الدورة البرامجية لشهر رمضان من هذا العام حالة مختلفة عن كل عام، كونها كانت الأكثر عدداً والأضخم منذ انطلاقة البث الفضائي للعراق.

 

وتفاخرت عدد من القنوات العراقية التي أنتجت بنفسها الإنتاج الأضخم لهذا العام، الأمر الذي أثار تساؤلات كبيرة حول الإمكانيات الاقتصادية لهذه

 القنوات وما الجدوى الاقتصادية من دخولها على خط الإنتاج؟

وتجاوز عدد المسلسلات العراقية المنتجة محلياً العشرين مسلسلاً، مضافاً لها البرامج الترفيهية وبرامج المسابقات التي وصلت جوائزها لعشرات الملايين من الدنانير، ما أثار التساؤل عن القدرات المادية لتلك القنوات والجدوى الاقتصادية لهذه العملية الإنتاجية المكلفة.

بالمقابل اتجهت عدد من القنوات الأخرى لشراء الأعمال الدرامية من شركات الإنتاج المحلية أو العربية لسد ساعات البث التلفزيوني خلال شهر رمضان المبارك.

 

ولقياس حجم الميزانية التي رصدت لموسم رمضان لهذا العام، فإن إحدى الفضائيات أقرت بإنتاجها (10) مسلسلات رمضانية عمل فيها أكثر من (450) شخصاً بين ممثل وفنّي وعامل.

وإذا كان الممثل يتراوح أجره بين المليون دينار والـ(100$) عن الحلقة الواحدة لكل مسلسل فإن بعض المسلسلات وفقاً لذلك قد تصل أجور ممثليها لوحدهم لأكثر من (500) مليون دينار.

وكشف مدير تصوير لوكالة "ايكوبتميا" "أن دفع القناة الفضائية لمبلغ مليار لشراء أو إنتاج مسلسل أمر طبيعي ولا يعد مستغرباً اليوم" لكن المستغرب اليوم هو الكيفية التي يمكن للفضائية سداد كلف إنتاج هذه المسلسلات والبرامج.

 

وعلى مستوى البرامج نجد الحال لا يختلف كثيراً عنه في المسلسلات، فعبر إحدى القنوات الفضائية العراقية بُث برنامج للمسابقات، هذا البرنامج وبعملية حسابية بسيطة يمكننا القول إن متوسط كلفة جوائزه لوحدها تصل إلى (20) مليون، في الحلقة الواحدة، بالتالي فيمكننا تقدير الكلفة الإجمالية للجوائز المقدمة في البرنامج والتي قد تصل إلى (600) مليون عراقي، فإذا ما أضفنا كلف الإنتاج الأخرى من مذيع ومصورين واستوديو عدّ لهذا الغرض فإننا أمام كلفة قد تصل لمليار عراقي على الأقل!

فيما كانت برامج السهرات الرمضانية والتي بثت على أغلب القنوات الفضائية سواء أكان ضيوفها فنانين أم رياضيين فتصل تكاليف إنتاج الحلقة الواحدة لأكثر من (2000$)  على الأقل، بمعنى أن كلفة إنتاج برامج السهرات الرمضانية قد تصل لأكثر من (100) ألف دولار.


 

 

الربح ليس الهدف

 

 

وبمحاولة جمع البيانات المالية أعلاه قد يظهر لنا أن هناك نفقات كبيرة بالنسبة لمعظم القنوات الفضائية يصعب تغطيتها عبر الإعلانات أو غيرها من مصادر التمويل التقليدي بالنسبة للإعلام المرئي، فكيف يمكن تغطية كلفة مسلسل كلفتها مليار عراقي في الأقل ولا يشاهد إلاّ في العراق؟! سؤال يثير العديد من علامات الاستفهام عن الجدوى والغاية من الإنتاج الدرامي أو الإعلام الفضائي في العراق اليوم.

 

وأوضح مصدر إعلامي لوكالة "ايكوبتميا" أنه من الخطأ البحث في المكاسب الاقتصادية لأي فضائية سواء أكانت عراقية أم غيرها، فالإعلام في العموم هو ليس نشاطاً اقتصادياً مربحاً، لاسيما بالنسبة للقنوات الفضائية، بل هو ميدان لتسويق الآراء والأفكار وعليه فهي - أي القنوات الفضائية - تحاول الظفر بالمشاهدين عبر شراء إنتاج الأعمال الدرامية أو البرامج الرمضانية بغض النظر عن العوائد المرتبطة بها، لكن يبقى السؤال: إذا كان الأمر كما هو أعلاه.. تُرى من أين تغطي الفضائيات العراقية والتي يتجاوز عددها الـ(57) قناة فضائية تكاليف عملها والتي كما يظهر من خلال موسم برامجي واحد تصل لمليارات الدنانير؟!

 

وأشار المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن “مصادر خفيّة” تسهم اليوم في ديمومة عمل العديد من القنوات الفضائية؛ أهمها “عمليات الابتزاز والصفقات السياسية” والتي نُشر جزء يسير منها مؤخراً عبر تسريب تحقيق مع إحدى الشخصيات المالكة لإحدى القنوات الفضائية، والتي كشف فيها النقاب عن عمليات ابتزاز كانت تمارس بحق سياسيين عبر بعض البرامج وبمبالغ كبيرة قد تصل لملايين الدولارات.

هذا التسريب يُظهر الحقيقة التي لطالما كثُر الحديث عنها لكن دون وجود دليل واضح عليها، والتي تتمثل بتوظيف الإعلام في عمليات الابتزاز السياسي بما يجعل الإعلام مصدراً مدراً للأموال بدلاً من أن يكون باباً لإنفاقها فحسب.

 

وهنا سنتحدث عن بيع بعض البرامج أو حتى بيع أوقات الذروة أو حتى بيع تسلسل الخبر في نشرات الأخبار وغيرها، والتي يمكن من خلالها إجبار السياسي الفلاني أو الكتلة الفلانية على دفع مبالغ لمالك هذه القناة أو تلك لقاء تلك الخدمات.

و كشف المصدر الإعلامي أن عددا مهما من القنوات الفضائية تُستخدم بشكل كبير في عمليات “غسيل الأموال” كونها نشاط معروف عنه كلفه العالية وممكن أن يكون غطاءً جيداً لغسل المال “القذر”، الذي قد يكون أحد أهم مصادر التمويل لتلك القنوات وسداد فاتورة نفقاتها الكبيرة.

 

والبحث في الجدوى الاقتصادية للعمل الإعلامي قد يكون من أصعب المواضيع في العالم، وتزداد صعوبته إذا كنا نتحدث عن العراق كونه بلداً يعاني في الأصل من غياب كبير للشفافية ويحتل مرتبة متقدمة بين البلدان الأقل نزاهة، لكن مجرد فتح هذا الملف والبحث بين ثناياه قد يكون خطوة حقيقية في كشف أسرار خطيرة مرتبطة بالعديد من الملفات السياسية والاقتصادية في هذا البلد ليس أقلها عمليات غسيل الأموال والابتزاز السياسي.