المكتسبات المنتظرة من زيارة السوداني إلى واشنطن
السوداني الذي اصطحب وفداً كبيراً -أثار العديد من نقاط الاستفهام والملاحظة- أعلن أن الهدف من الزيارة محاولة تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بين بغداد وواشنطن قبل أكثر من 16 عاما ومحاولة تعزيز مبدأ الشراكة بين البلدين.
يتواجد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة تستمر لأيام، وتتضمن لقاءات ومحطات عدة، على رأسها لقاء يجمع السوداني بالرئيس جو بايدن.
السوداني الذي اصطحب وفداً كبيراً -أثار العديد من نقاط الاستفهام والملاحظة- أعلن أن الهدف من الزيارة محاولة تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بين بغداد وواشنطن قبل أكثر من 16 عاما ومحاولة تعزيز مبدأ الشراكة بين البلدين.
جل من اصطحبهم السوداني هم يمثلون القطاع الاقتصادي والطاقوي في حكومته، بالتالي فمن المنتظر أن تثمر الزيارة عن خطوات مهمة ضمن هذه القطاعات.
إطار استراتيجي
تجمع العراق والولايات المتحدة اتفاقية أبرمت عام 2008 جاءت ضمن أحد عشر قسماً؛ أهمها تلك المتعلقة بالجوانب الأمنية والاقتصادية والطاقوية وسميّت بـ(الإطار الاستراتيجي). وعلى الرغم من مضي سنوات عدة على إبرام هذه الاتفاقية إلاّ أنها بقيت في كثير من أقسامها غير فاعلة بسبب حالة عدم الاستقرار التي كان يعيشها العراق على المستوى الأمني.
واليوم من المفترض أن تبدأ مرحلة جديدة في العلاقة بين الطرفين قوامها هذه الاتفاقية وأقسامها المختلفة.
يشير مراقبون أن التعاون على المستوى الاقتصادي والطاقوي بين العراق والولايات المتحدة قد يشهد تحركاً نشاطاً كبيراً بين الطرفين، وأن اقسام اتفاقية الإطار الاستراتيجي ضمن هذه الأقسام قد تفعّل في المرحلة القادمة.
فالقسم الخامس من الاتفاقية والمتعلق بالتعاون ضمن مجال الطاقة والاقتصاد يشير بوضوح إلى دعم أمريكي للدولة العراقية ضمن المجال الصناعي والزراعي والتجاري والطاقوي بما يسهم في تعزيز الإنتاج العراقي ودمج العراق بالسوق التجارية العالمية. هذا التعهد الأمريكي بحاجة اليوم لإبرام اتفاقيات فنيّة تحوّل تلك الوعود إلى واقع حقيقي، لاسيما على مستوى تعزيز الإنتاج الصناعي والزراعي.
زراعة العراق
مما لاشك فيه أن العراق اليوم بحاجة لخطط استثمارية حقيقية ضمن هذين القطاعين تعزّز واقعه الإنتاجي الذي يعاني من تراجع كبير منذ العام 2003، فمثلاً كان العراق على المستوى الزراعي يساهم بنسبة (9.5%) عام 2005 من الناتج المحلي غير أنه خلال العام 2008 تراجع لنسبة (3.3%) وهي نسبة ضئيلة جداً. هذه النسبة التي كانت انعكاساً لارتفاع معدلات الجفاف وانخفاض مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن العراق اليوم لا يستغل أكثر من (28%) من الأراضي الصالحة للزراعة، وهي نسبة ضئيلة جداً ويقف خلف انخفاضها عدة أسباب أهمها انخفاض معدلات المياه وارتفاع مؤشرات الجفاف والتحوّل الاقتصادي الذي يعيشه العراق.
فحصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات انخفضت بشكل كبير في الآونة الأخيرة ووصلت لمعدلات مخيفة، إذ انخفضت حصة العراق من نهر الفرات من (23 مليار متر مكعب) لحدود (13 مليار متر مكعب) فيما لم يكن واقع نهر دجلة بأفضل حالاً من شقيقه الفرات، فحصة العراق اليوم منه وصلت لـ(18 مليار متر مكعب) بعد أن كانت (28 مليار متر مكعب)، ومع مضي تركيا بإنشاء السدود يعيش العراق اليوم واقعاً مرتبكاً جداً على المستوى المائي ينذر بحرمانه من (95%) من مياه شرياني الحياة فيه وبالتالي تهديد الواقع الزراعي. كذلك مشكلة الملوحة التي باتت تضرب الأراضي الزراعية في العراق تبعاً لانخفاض معدلات المياه فيه، والتي ازدادت منذ العام 2003 لتصل نسبتها إلى (20-30%) من مجموع الأراضي الزراعية العراقية.
وبطبيعة الحال فإن هناك إشكالات أخرى مضافة تساهم في أزمة الواقع الزراعي في العراق منها المتعلقة بالجانب الإداري والقانوني، غير أننا سنركز هنا على الجوانب التقنية والتي من الممكن أن يسهم التعاون مع الولايات المتحدة في إيجاد الحلول لها، لاسيما مشكلة التصحّر والملوحة والتي باتت اليوم من المشاكل التي يمكن معالجتها بالاعتماد على التقينات الحديثة كتقنيات الذكاء الاصطناعي والتي يمكن الإفادة من الجانب الأمريكي فيها بشكل كبير.
كما أن للولايات المتحدة تجربة مهمة يمكن الاستفادة منها في نمط (الزراعة الرأسية)، والتي يمكن من خلالها مضاعفة كمية المواد المزروعة لأربعة أو ستة أضعاف فيما يمكن من خلال هذا النمط الزراعة في المناطق الحضرية التي تعاني من قلة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بما يسهم في توفير المنتج الزراعي وتنوعه على حدٍ سواء.
صناعة تنتظر الحلول
أما الجوانب الصناعية فهي الأخرى ليست بأفضل حالاً من الزراعة، فالصناعة في العراق تراجعت أيضاً بشكل كبير بحكم الظروف الأمنية التي عاشتها البلاد وكذلك فتح الحدود أمام استيراد السلع والمنتجات بما أضعف المنتج المحلي وأفقده القدرة على المنافسة. ومن أهم المؤشرات على تراجع هذا القطاع انخفاض عدد المصانع التابعة للقطاعين العام والخاص منذ 2003 ولغاية اليوم.
ويمكن وضع الجدول الآتي لتوضيح عدد المصانع التابعة للقطاعين العام والخاص موزعين على الأعوام 2010-2014:
وتظهر الأرقام أن هناك تبايناً في إحصائية المنشآت التابعة للقطاعين العام والخاص، فالأرقام ليست مستقرة، إذ بعد أن تصاعدت خلال العامين (2011-2012) عادت للهبوط مجدداً في العام 2014 وهذا مرده التباين في أسعار النفط، إذ أن جل المعامل والمنشآت العاملة ضمن القطاعين تختص بإنتاج المشتقات النفطية وهذه نقطة ضعف مهمة وخطيرة بالنسبة للاقتصاد العراقي.
بل إن مساهمة هذا القطاع المهم والحيوي باتت في تراجع خلال السنوات الأخيرة لاعتبارات عدة منها تحديات ما يواجهه هذا القطاع من البضاعة المستوردة ومنها المتعلق بمشاكل لوجستية وفنية تعيق حركته كتوفر التيار الكهربائي المستمر والمستقر وكذلك اليد العاملة الماهرة والراغبة للإنخراط فيه.
ولما كانت الولايات المتحدة من الدول الأولى على مستوى العالم صناعياً ومن ضمن مجموعة الثمانية والعشرين لأكبر الاقتصاديات عالمياً فإنه بالإمكان الإفادة بشكل كبير منها في تحسين الواقع الصناعي العراقي، لاسيما على مستوى الصناعات التحويلية التي تساهم الولايات المتحدة الأمريكية فيها بنسبة (%24) عالمياً، وكذا حال صناعتي المطاط والسيارات التي تستحوذ فيها الولايات المتحدة على نسبة (%17) من الإنتاج العالمي.
وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد اليوم الدولة الأولى عالمياً على مستوى القدرات في عالم الذكاء الاصطناعي وفق مؤشر (تورتواز ميديا)، من حيث معايير (المواهب، والبنية التحتية، والبيئة التشغيلية، والبحث، والتطوير، والاستراتيجية الحكومية والتجارة) وهذا الأمر يمكن استثماره في النهوض بالواقع الصناعي العراقي وفق اتفاقية الإطار المبرمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي من الممكن أن تحقق للعراق طفرات نوعية في عالم الصناعة باستثمار الذكاء الاصطناعي وأدواته.
جولات تراخيص قادمة
ولما كان العراق بانتظار عقد جولات جديدة للتراخيص ضمن مجالي النفط والغاز فإن التواصل مع الإدارة الأمريكية أمر مهم في هذه المرحلة كونها كدولة قدمت تعهدات للعراق في تطوير قدراته ضمن مجال الطاقة، كيف لا والولايات المتحدة تمتلك إحدى أكبر الشركات على مستوى إنتاج الغاز عالمياً والمتمثلة بشركة (إكسون موبيل).
تفعيل التعاون العراقي الأمريكي ضمن قطاع انتاج الطاقة لاسيما الغاز قد يعجّل بتحقيق العراق للإكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز الطبيعي والذي يعد مصدر الطاقة الذي يعتمده العراق في تشغيل محطاته لتوليد الطاقة الكهربائية.
هذا الأمر إن نجح فيه العراق قد يوفّر (6 مليارات دولار) تُنفق سنوياً على استيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية.
اقتصاد مصرفي
على مستوى آخر فإن العراق يحتاج اليوم إلى تسهيلات أمريكية ضمن مجال القطاع المصرفي لضمان إنسيابية حصوله على الدولار الأمريكي من البنك الفيدرالي مع بقاء الرقابة على حركة الأموال الخارجة من العراق بما يضمن عدم تهريب الدولار إلى الخارج.
وهذا الأمر لم ولن يتم للعراق بدون التعاون مع الإدارة الأمريكية، فالعراق في ذات الوقت الذي يحتاج للدولار لضمان ديمومة اقتصاده فهو يحتاج لضمان شفافية التعاملات بهذه العملة على مستوى الداخل وهذه معادلة صعبة وخطيرة في آن معاً.
بالتالي نجد أن زيارة السوداني وفي إحدى مستهدفاتها تسعى لإيجاد آلية تحقق للعراق الهدف أعلاه، ولذا كان لرئيس الوزراء مخططاً للتواصل مع الجهات ذات العلاقة في الإدارة الأمريكية.
فعملية البناء الداخلي ودعم وتحريك السوق والقطاع الخاص في العراق تتطلب وفرة مالية من الدولار وهذا قد يواجه مشاكل كبير في حال أستمر الوضع على ما هو عليه.
كذلك للعراق أموال مجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية قد تصل لأكثر من (100 مليار دولار)، وهذه الأموال إن نجحت إدارة السوداني في إقناع الجانب الأمريكي لفك القيود عنها فإنها ستكون دفعة قوية باتجاه التنمية والبناء في العراق.
لحظة حاسمة
مما لاشك فيه إن زيارة السوداني للولايات المتحدة الأمريكية تأتي في لحظة حاسمة وخطيرة في المنطقة، لكن وكما ظهر من كلمات السيد رئيس الوزراء العراقي خلال لقاءه الرئيس الأمريكي فإنه يعمل على النأي بالعراق عن الصراعات في المنطقة والبحث عن فرص التعاون مع الجانب الأمريكي اقتصادياً بما يعزّز فرص العراق بالتنمية.
ولسنا هنا بمعرض التقليل من أهمية الجانب السياسي والأمني في العلاقة بين الطرفين لكن تبقى مسألة المناورة ومحاولة عدم الربط بين الملفات بالنسبة للعراق أمر مهم في هذه الزيارة التي انتظرها الجانب العراقي أكثر من عام كامل.
وهذا قد تكون له أساليبه الخاصة بالنسبة للجانب العراقي لاسيما عبر محاولة فتح قنوات غير رسمية مع الشركات والمؤسسات الأمريكية بما يعزل الملفات الاقتصادية عن السياسية والأمنية وبما يحقق مصلحة العراق وهدفه في التعاون الاقتصادي والطاقوي، إذ أنه بالتأكيد ستكون الشركات الأمريكية مهتمة بالتواجد ضمن الساحة العراقية التي تعد أرض خصبة لأي نشاط اقتصادي.
كذلك محاولة تفعيل الصلة بالجالية العراقية في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة يمكن استثمارها لما يحقق مصلحة العراق لا أن تبقى مسألة التواصل واللقاء بهذه الفئة من قبيل التواصل الاجتماعي لا غير.
إن الاتفاقية التي تجمع الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق تعد ميثاقاً مهماً بالنسبة للدولة العراقية ويمكن من خلالها تحقيق قفزات كبيرة على مستويات عدة لاسيما على المستوى الاقتصادي، إلاّ أنه ولظروف مضت تعطلت وبقيت حبراً على ورق، لكنها اليوم قد تكون بداية لانطلاقة جديدة في العلاقة بين الطرفين ومرحلة جديدة في البناء الاقتصادي العراقي إن نجح الجانب العراقي في تخطي العقبات التي تقف في طريقه ونأى بالدولة العراقية جانباً عن الصراعات في المنطقة.
المصدر | ايكوبتميا