مستقبل الاقتصاد العراقي في 2024

مستقبل الاقتصاد العراقي في 2024

تحولات مالية وإدارية في الاقتصاد العراقي.. ماذا تحمل سنة 2024 من تغيرات؟

منذ الأشهر الأخيرة للعام 2023 والمركزي العراقي يتكلم عن تحوّل في التعامل مع الملف الاقتصادي في البلاد. تحوّل يحمل في طياته إيجاد مؤسسات جديدة في العراق تسهم في إدارة النشاط الاقتصادي وتعالج ما يعانيه من خلل.


وهنا نتكلم عن اتجاهين جديدين على مستوى اقتصاد البلاد، الأول هو المرتبط بالاستراتيجية الوطنية للإقراض والتي من المفترض أن تشكّل خطة منطلقة من رؤية جديدة للتعامل مع ملف الإقراض الحكومي بالكليّة.. حجم القروض.. آلية منحها.. ضماناتها.. وغيرها من الاعتبارات المهمة والمتعلقة بهذا الملف.


بالمقابل هناك تأسيس لشركة وطنية مختصة بالدفع الالكتروني، والتي تأتي في إطار تحوّل في إدارة الملف المالي الداخلي.
تُرى إلى أي حد تمثل هذه الخطوات الجديدة تحولاً حقيقياً على مستوى الاقتصاد؟ وما هي المآلات التي ستتجه إليها أمور اقتصاد العراق في المرحلة القادمة؟

 

إستراتيجية جديدة


يتجه البنك المركزي لتطبيق استراتيجية جديدة للإقراض، إستراتيجية يحاول البنك من خلالها توجيه القروض باتجاه دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع معالجة آليات منح القروض بما يسهّل إجراءات منحه للمستحقين.


المركزي العراقي بخطته الجديدة يعمل على إيجاد آليات تحفّز القطاع الخاص وتقلل الضغط على القطاع العام عبر خلق فرص عمل تتناسب ومعدلات البطالة المتصاعدة في العراق.


هذه الإستراتيجية تأتي متوائمة مع توجهات الجهات الدولية الداعمة والمساهمة في الاقتصاد العراقي، والتي ترى أنه لابد من تقليل التبعات على القطاع العام والتي أثقلت كاهل الدولة وجعلتها عرضة للمزيد من الديون الخارجية مع إضعاف الهيكل الاقتصادي للبلاد.


أمر آخر تتكلم عنه الاستراتيجية الجديدة يتمثل بإيجاد آليات جديدة لصرف مبالغ القروض، كمبادرة "ريادة" وغيرها والتي لا تقتصر خططها على منح الأموال للمقترضين فحسب وإنما بتهيئة الظروف الملائمة لبدء العمل من تدريب وتأهيل، وهذا ما دفعت باتجاهه المنظمات الدولية ذات العلاقة كمنظمة التعاون الألماني.


لكن تبقى هذه الخطط بمواجهة تحديات كبيرة على مستوى السوق العراقي، فالواقع الأمني لازال يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي العراقي، فكيف يمكن لأي صاحب مشروع أن يبني مشروعه في ظل إهتزازات أمنية متكررة تفقد السوق حالة الاستقرار وتنذر بتوقف النشاط الاقتصادي أو تلكؤه على أقل تقدير.


كذلك تبقى مشكلة استقرار سعر صرف الدولار قائمة هي الأخرى، إذ لازال سعر صرف الدولار الحكومي يختلف عنه في السوق الموازي وهذا بكل تأكيد له تبعاته على صاحب أي مشروع مهما كان صغيراً لاسيما وأن جلّ المواد المستخدمة في إنتاج السلع والبضائع تشترى بالدولار. الأمر الذي يبقي العمل الخاص في حالة من الترقب والتوتر غير المحمودين.


أيضاً مشكلة البضائع المستوردة وسيطرتها على السوق بالكليّة وبأسعار تنافسيّة جداً – لقلة الضرائب المفروضة عليها أو لتهريبها- تشكل تحدياً آخراً للسوق المحلية، كيف لا ونحن نتحدث عن بضائع من مناشئ جيدة وبإسعار تنافسية للبضائع المحلية.

 

شركة للدفع الإلكتروني


وعلى الجانب الآخر اتجه البنك المركزي لتأسيس شركة مختصة بتنظيم عمليات الدفع الإلكتروني في العراق. هذه الشركة من المفترض أن تدير عملية التحوّل في المنظومة المالية من حيث البيع والشراء على مستوى الاقتصاد الداخلي بدلاً من التعامل بالعملة الورقية.
وكانت الحكومة قد استبقت الحديث عن هذه الشركة بأتمتة عدد كبير ومهم من المعاملات الخاصة بالدوائر الحكومية، كمعاملة إصدار البطاقة الموحدة أو جواز السفر أو البطاقة التموينية.


بالتالي فالمواطن العراقي وخلال مدة قريبة جداً سيتعامل بنظام الدفع الإلكتروني في تنظيم عملياته الخاصة للبيع والشراء أو مراجعة الدوائر الحكومية، لاسيما وأن الحكومة باتت تلزمه بذلك.


فمثلاً، المواطن سيدفع ثمن الوقود الخاص بسيارته عبر بطاقة إلكترونية بعد أن ألزمت الحكومة المواطن بذلك ووزّعت أجهزة الـ(POS) للدفع الإلكتروني ووجهت محطات الوقود بعدم البيع بالعملة الورقية الاعتيادية لإجبار المواطن على التعامل النقدي الالكتروني، وكذلك دفع الرسوم الخاصة بالخدمات المقدمة عن طريق دوائر الدولة.


هذه الخطوة من المفترض أن يكون لها أثراً نقدياً مهماً عبر بقاء كميات كبيرة من الأموال بيد القطاع المصرفي الحكومي والأهلي، وبالتالي مرونة حركة تلك المصارف ونشاطها الاقتصادي.
إذ أن إحتياج المواطن لإمتلاك بطاقة دفع مع احتوائها على رصيد كافٍ لتسيير معاملاته المالية الاعتيادية سيجعل المصارف تمتلك رصيداً جيداً جداً من الأموال التي تسهّل عليها إدارة تعاملاتها المصرفية اليومية.


كذلك من المتوقع أن تسهم أتمتة المعاملات الحكومية الإدارية والمالية للمواطنين في خفض مستويات الفساد، لاسيما وأن المواطن لن يكون بحاجة لدفع رشى لموظفي القطاع العام في الدوائر المختلفة لتسيير معاملاته طالما أن معاملته تتم بطريقة إلكترونية ودون تدخل بشري.
التوجه نحو تبنّي عمليات الدفع الإلكتروني سيكون له أثر مهم على منظومة الاقتصاد الداخلي، وستسهم بالفعل في خفض مؤشر الفساد ضمن دوائر ومؤسسات القطاع العام، إلاّ أنها لن تكون خالية من بعض المشاكل المعقدة.


فتفعيل نقاط الدفع الإلكتروني في العراق يتطلب وجود أجهزة (POS) بنوعيات جيدة ضمن منافذ البيع وقطاعات الدولة المختلفة. كما يشترط لدعم إنسيابية العمل وجود خدمات إنترنت بمستوى جيد وهذا أمر يعانيه العراق إلى الآن، إذ أن خدمة الإنترنت تعاني إشكالات في عموم العراق وهذا ما سبّب تعثّر تطبيق عملية الدفع الإلكتروني في العديد من محطات الوقود ولجوء المواطن بالنتيجة إلى التعامل بالعملة الورقية.
وتبقى خطوات الحكومة ضمن القطاع الاقتصادي العراقي -سواء بإستراتيجية الإقراض أو شركة الدفع الإلكتروني- محط أنظار الجميع باعتبارها تجربة مختلفة وجديدة وتحتاج لوقت قبل تقييمها والحكم عليها بالفشل أو النجاح.

 

المصدر | ايكوبتميا