موزمبيق: إمكانيات هائلة لتصبح قوة طاقة عالمية
موزمبيق حققت تقدما كبيرا في جذب الاستثمار الأجنبي وخاصة في قطاع الطاقة
تتمتع موزمبيق، وهي دولة تقع في جنوبي شرقي أفريقيا، بموارد طبيعية هائلة من الغاز الطبيعي والنفط واليورانيوم والذهب والفحم وغيرها من الموارد، ولديها الإمكانيات لكي تصبح لاعبا مهما في سوق الطاقة العالمية.
وفي السنوات الأخيرة، حققت البلاد تقدما كبيرا في جذب الاستثمار الأجنبي، وخاصة في قطاع الطاقة، وفي هذا التقرير نبحث الفرص والتحديات المرتبطة باستثمارات الطاقة في موزمبيق، مع التركيز على إمكانات النمو والعقبات التي تعترض سبيل التنمية المستدامة.
ووفق مراقبين، فإن موزمبيق توشك على تحقيق انفراجة فيما يتعلق بالاستثمار في الطاقة، مما يوفر بعض الفرص للمستثمرين وكذلك لمختلف اللاعبين في صناعة الطاقة، وبينما يتجه العالم نحو الطاقة المتجددة، توفر احتياطات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا في موزمبيق مصدرا مهما للدخل القومي في السنوات القادمة. ومع ذلك، هناك جوانب متعددة الأبعاد مرتبطة بفرص الاستثمار في قطاع الطاقة في البلاد.
هناك بشكل رئيسي ثلاثة قطاعات تتطلب استثمارات جديدة: توصيلات الشبكة الوطنية للكهرباء إلى البلدان المجاورة، والكهرباء خارج الشبكة عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المناطق الريفية، وقدرات التوليد والنقل لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في المراكز الحضرية. وقد اعترفت الحكومة بهذه التحديات، وتقول إنها وضعت خططا إستراتيجية لتحسين الوضع.
وقد قامت الحكومة بخطوات مهمة منها سن قانون الكهرباء الذي تم تقديمه في عام 2011، كما تم منح الهيئة التنظيمية لقطاع الطاقة صلاحيات أوسع لتطوير برنامج الكهرباء الوطني. ولاقت هذه الخطوات التشريعية ترحيبا من قبل قطاع الطاقة، وزيادة ثقة العملاء المحتملين والمستثمرين الجدد.
وشرعت الحكومة العام الماضي في بناء أكبر محطة للكهرباء تعمل بالغاز بسعة 450 ميغاواتا، وستبدأ في إنتاج الكهرباء هذا العام، وفقما صرح وزير الطاقة الموزمبيقي كارلوس زاكرياس، لكن التوترات السياسية الحالية ليست مواتية للتنمية الشاملة لقطاع الطاقة.
وعلى سبيل المثال، تعرض السد الرئيسي للطاقة الكهرومائية في البلاد كاهورا باسا، وهو ثالث أكبر محطة إنتاج كهرباء في أفريقيا بطاقة تبلغ 2075 ميغاواتا، لهجمات من قبل متمردي رينامو قبل عقدهم اتفاق سلام مع الحكومة في 2019، بالإضافة إلى ذلك تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية في شمالي البلاد.
الفرص المتاحة بقطاع الطاقة في موزمبيق
- احتياطات الغاز الطبيعي: تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، تقدر بأكثر من 100 تريليون قدم مكعب، مما يجعلها واحدة من أكبر الاحتياطات في العالم. وتمثل هذه الاحتياطات فرصا كبيرة للاستثمار في استكشاف وإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
- إمكانات الطاقة المتجددة: تتمتع بإمكانيات كبيرة لتوليد الطاقة المتجددة، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح. وتوفر موارد الطاقة الشمسية الوفيرة في موزمبيق، إلى جانب أنظمة الأنهار الواسعة، أساسا قويا لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.
- الطلب الإقليمي على الطاقة: يوفر مجمع الطاقة في الجنوب الأفريقي "ساب" (SAPP) سوقا جاهزة لصادرات الطاقة في موزمبيق. وباعتبارها عضوا في "ساب"، تستطيع موزمبيق الاستفادة من موارد الطاقة لديها لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في المنطقة.
- النمو الاقتصادي والتنويع: يمثل قطاع الطاقة فرصة لموزمبيق لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على الصناعات التقليدية مثل الزراعة وصيد الأسماك والتعدين، ويمكن للاستثمارات في الطاقة أن تخلق فرص عمل، وتحفز النمو الاقتصادي، وتسهم في الحد من الفقر.
تحديات قطاع الطاقة في موزمبيق
- عدم الاستقرار السياسي والمخاوف الأمنية: واجهت موزمبيق عدم استقرار سياسي وتحديات أمنية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في منطقة كابو ديلغادو الشمالية، حيث ينشط تنظيم الدولة لزعزعة شمالي البلاد حيث توجد احتياطياتها من الغاز الطبيعي، وقد أدت الهجمات التي شنها التنظيم إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين من مناطق الشمال نحو الجنوب، مما دفع شركات الطاقة إلى تأخير مشاريع الطاقة المتفق عليها مع الحكومة المركزية ودفع المستثمرين لزيادة الاستثمار في الجهود الأمنية المبذولة من الحكومة لزيادة تأمين مناطق استخراج الغاز الطبيعي.
- تطوير البنية التحتية: يعاني قطاع الطاقة من قيود بسبب عدم كفاية البنية التحتية، بما في ذلك شبكات نقل وتوزيع الطاقة داخل موزمبيق، فضلا عن عدم كفاية مرافق الموانئ والنقل.
- البيئة التنظيمية: لا يزال الإطار التنظيمي لقطاع الطاقة في موزمبيق في مرحلة التطور، وهناك حاجة إلى قدر أكبر من الوضوح والشفافية في عملية الاستثمار، ومن شأن تبسيط البيئة التنظيمية وضمان تكافؤ الفرص لجميع المستثمرين أن يساعد في جذب المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
- المساهمة المحلية وبناء القدرات: ينبغي على قطاع الطاقة في موزمبيق إعطاء الأولوية للمساهمة المحلية وبناء القدرات المحلية لضمان تقاسم فوائد استثمارات الطاقة بشكل عادل بين مواطنيها، ويشمل ذلك تطوير المهارات والخبرات المحلية، وتعزيز المشاركة المحلية في مشاريع الطاقة، وضمان مساهمة عائدات الطاقة في التنمية الشاملة للبلاد.
- التعاطي مع جماعات البيئة ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الدولية التي تسعى إلى عرقلة المشاريع المتعلقة باستخراج الغاز والنفط من خلال الضغط على المانحين والضامنين الدولين والشركات العاملة في مجال الطاقة والمشرعين في الحكومات الأجنبية لوقف تمويل وتنفيذ مشاريع الطاقة في موزمبيق بدعاوى المخاطر البيئية وحقوق الإنسان.
الاستثمارات الدولية
هناك العديد من الشركات الأجنبية التي تستثمر في مشاريع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، إحداها توتال إنيرجي، وهي شركة طاقة فرنسية متعددة الجنسيات استثمرت 20 مليار دولار، وشركة إيني الإيطالية، وشركة إكسون موبيل الأميركية، وشركة النفط الوطنية الصينية، وقالب وكوغاز الكورية.
وتعمل هذه الشركات على تطوير مشروع للغاز الطبيعي في حوض روفوما قبالة سواحل موزمبيق، ويهدف المشروع إلى إنتاج وتسييل وتسويق الغاز الطبيعي، وقد تم تصدير أول دفعة من الغاز المسال من محطة كورال سول إلى أوروبا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، علما بأن محطة كورال سول تعد أول محطة عائمة للغاز المسال في أفريقيا وتنتج حوالي 3.4 ملايين طن من الغاز المسال سنويا، وتقدر احتياطاتها الكلية بحوالي 450 مليار متر مكعب.
وقد ساهمت هذه المشاريع في زيادة الإنتاج والتصدير خلال العام الماضي إلى 218% عن العام 2022.
وبلغ إجمالي مبيعات موزمبيق من الغاز الطبيعي العام الماضي 1.726 مليار دولار، أي أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه في عام 2022، ويقترب من مستويات مبيعات الفحم، الذي لا يزال يتصدر صادرات البلاد.
تأثير الاستقرار السياسي على الاستثمارات
ولفهم تأثير الانتخابات المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول القادم على الاستثمار في الطاقة في موزمبيق، نحتاج للنظر إلى سياسات الطاقة وأولويات الأحزاب المتنافسة، حيث يعد قطاع الطاقة محركا مهما للنمو الاقتصادي والتنمية في البلاد، وأي تغييرات في الحكومة يمكن أن تؤثر على مناخ الاستثمار.
ويتولى الحزب الحاكم فريليمو السلطة منذ استقلال موزمبيق عن البرتغال عام 1975، وقد ركز بشكل كبير على تنمية قطاع الطاقة بدعم تطوير احتياطات الغاز الطبيعي في الجزء الشمالي من البلاد، وعمل أيضا على تحسين البيئة التنظيمية لحلول الطاقة خارج الشبكة بالطاقة المتجددة.
ومن ناحية أخرى، انتقد حزب المعارضة رينامو سياسات الحكومة في مجال الطاقة، وخاصة فيما يتعلق بتوزيع الفوائد من مشاريع الطاقة، ودعا الحكومة إلى توزيع أكثر عدالة لعائدات الطاقة وزيادة مشاركة المجتمعات المحلية في مشاريع الطاقة والاستفادة منها.
وستظل استثمارات الطاقة عرضة لتأثير الانتخابات المقبلة ونتائجها وسياسات الحزب الفائز. وإذا احتفظت حكومة فريليمو بالسلطة، فمن المحتمل أن يستمر التركيز الحالي على الغاز الطبيعي وحلول الطاقة المتجددة.
وإذا وصلت المعارضة (رينامو) إلى السلطة -مع ضعف حظوظها الانتخابية- فقد تكون هناك تغييرات في البيئة التنظيمية وتركيز أكبر على المساهمة المحلية ومشاركة القطاع الخاص في مشاريع الطاقة.
المصدر | الجزيرة